فصل: قال ابن العربي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحكْمَةَ أَنْ اُشْكُرْ للَّه وَمَنْ يَشْكُرْ فَإنَّمَا يَشْكُرُ لنَفْسه وَمَنْ كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنيٌّ حَميدٌ} فيهَا أَرْبَعُ مَسَائلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: في ذكْر لُقْمَانَ: وَفيه سَبْعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: قَالَ سَعيدُ بْنُ الْمُسَيّب: كَانَ لُقْمَانُ أَسْوَدَ منْ سُودَان مصْرَ، حَكيمًا، ذَا مَشَافرَ، وَلَمْ يَكُنْ نَبيًّا.
الثَّاني: قَالَ قَتَادَةُ: خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ النُّبُوَّة وَالْحكْمَة، فَاخْتَارَ الْحكْمَةَ، فَأَتَاهُ جبْريلُ وَهُوَ نَائمٌ، فَقَذَفَ عَلَيْه الْحكْمَةَ، فَأَصْبَحَ يَنْطقُ بهَا، فَسُئلَ عَنْ ذَلكَ، فَقَالَ: إنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ إلَيَّ النُّبُوَّةَ عَزْمَةً لَرَجَوْت الْفَوْزَ بهَا، وَلَكنَّهُ خَيَّرَني؛ فَخفْت أَنْ أَضْعُفَ عَنْ النُّبُوَّة.
الثَّالثُ: أَنَّهُ كَانَ منْ النُّوبَة قَصيرًا أَفْطَسَ.
الرَّابعُ: أَنَّهُ كَانَ حَبَشيًّا.
الْخَامسُ: أَنَّهُ كَانَ خَيَّاطًا.
السَّادسُ: أَنَّهُ كَانَ رَاعيًا، فَرَآهُ رَجُلٌ كَانَ يَعْرفُهُ قَبْلَ ذَلكَ قَالَ: أَلَسْت عَبْدَ بَني فُلَانٍ الَّذي كُنْت تَرْعَى بالْأَمْس؟ قَالَ: بَلَى.
قَالَ: فَمَا بَلَغَ بك مَا أَرَى؟ قَالَ: قَدَرُ اللَّه، وَأَدَاءُ الْأَمَانَة، وَصدْقُ الْحَديث، وَتَرْكُ مَا لَا يَعْنيني.
السَّابعُ: أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا نَجَّارًا قَالَ لَهُ سَيّدُهُ: اذْبَحْ شَاةً، وَأْتني بأَطْيَبهَا بضْعَتَيْن فَأَتَاهُ بالْقَلْب وَاللّسَان.
ثُمَّ أَمَرَهُ بذَبْح شَاةٍ، وَقَالَ لَهُ: أَلْق أَخْبَثَهَا بضْعَتَيْن، فَأَلْقَى اللّسَانَ وَالْقَلْبَ، فَقَالَ: أَمَرْتُك أَنْ تَأْتيَني بأَطْيَبهَا بضْعَتَيْن فَأَتَيْتني باللّسَان وَالْقَلْب، وَأَمَرْتُك أَنْ تُلْقي أَخْبَثَهَا بضْعَتَيْن، فَأَلْقَيْت اللّسَانَ وَالْقَلْبَ، فَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ أَطْيَبَ منْهُمَا إذَا طَابَا، وَلَا شَيْءَ أَخْبَثُ منْهَا إذَا خَبُثَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانيَةُ: رَوَى عُلَمَاؤُنَا عَنْ مَالكٍ أَنَّ لُقْمَانَ قَالَ لابْنه: يَا بُنَيَّ؛ إنَّ النَّاسَ قَدْ تَطَاوَلَ عَلَيْهمْ مَا يُوعَدُونَ، وَهُمْ إلَى الْآخرَة سرَاعًا يَذْهَبُونَ، وَإنَّك قَدْ اسْتَدْبَرْت الدُّنْيَا مُنْذُ كُنْت، وَاسْتَقْبَلْت الْآخرَةَ، وَإنَّ دَارًا تَسيرُ إلَيْهَا أَقْرَبُ إلَيْك منْ دَارٍ تَخْرُجُ عَنْهَا.
وَقَالَ لُقْمَانُ، يَا بُنَيَّ؛ لَيْسَ غنًى كَصحَّةٍ، وَلَا نعْمَةٌ كَطيب نَفْسٍ.
وَقَالَ لُقْمَانُ لابْنه: يَا بُنَيَّ لَا تُجَالسْ الْفُجَّارَ، وَلَا تُمَاشهمْ، اتَّق أَنْ يَنْزلَ عَلَيْهمْ عَذَابٌ منْ السَّمَاء، فَيُصيبَك مَعَهُمْ.
وَقَالَ: يَا بُنَيَّ؛ جَالس الْعُلَمَاءَ وَمَاشهمْ، عَسَى أَنْ تَنْزلَ عَلَيْهمْ رَحْمَةٌ فَتُصيبَك مَعَهُمْ.
وَقَالَ: يَا بُنَيَّ؛ جَالس الْعُلَمَاءَ وَزَاحمْهُمْ برُكْبَتَيْك؛ فَإنَّ اللَّهَ يُحْيي الْقُلُوبَ الْمَيّتَةَ بالْعلْم، كَمَا يُحْيي الْأَرْضَ بوَابل الْمَطَر.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالثَةُ: ذَكَرَ الْمُؤَرّخُونَ أَنَّهُ كَانَ لُقْمَانُ بْنَ عَادٍ الْأَكْبَرَ، وَكَانَ لُقْمَانُ الْأَصْغَرَ، وَلَيْسَ بلُقْمَانَ الْمَذْكُور في الْقُرْآن.
وَكَانَ لُقْمَانُ هَذَا الَّذي تَذْكُرُهُ الْعَرَبُ حَكيمًا.
وَفي أَخْبَارهَا أَنَّ أُخْتَ لُقْمَانَ كَانَتْ امْرَأَةً مُحَمَّقَةً، وَكَانَ لُقْمَانُ حَكيمًا نَجيًّا، فَقَالَتْ أُخْتُهُ لامْرَأَته: هَذه لَيْلَةُ طُهْري فَهَبي لي لَيْلَتَك، طَمَعًا في أَنْ تَعْلَقَ منْ أَخيهَا بنَجيبٍ، فَفَعَلَتْ، فَحَمَلَتْ منْ أَخيهَا، فَوَلَدَتْ لُقَيْمَ بْنَ لُقْمَانَ، وَفيه يَقُولُ النَّمرُ بْنُ تَوْلَبٍ: لُقَيْمُ بْنُ لُقْمَانَ منْ أُخْته فَكَانَ ابْنَ أُخْتٍ لَهَا وَابْنَا لَيَالي حُمْقٌ فَاسْتَحْصَنَتْ عَلَيْه فَغُرَّ بهَا مُظْلمًا فَقَرَّ به رَجُلٌ مُحْكمٌ فَجَاءَتْ به رَجُلًا مُحْكَمًا الْمَسْأَلَةُ الرَّابعَةُ: ذَكَرَ مَالكٌ كَلَامًا كَثيرًا منْ الْحكْمَة عَنْ لُقْمَانَ، وَأَدْخَلَ منْ حكْمَته فَصْلًا في كتَاب الْجَامع منْ مُوَطَّئه؛ لأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَهُ في كتَابه، وَذَكَرَ منْ حكْمَته فَصْلًا يَعْضُدُهُ الْكتَابُ وَالسُّنَّةُ، ليُنَبّهَ بذَلكَ عَلَى أَنَّ الْحكْمَةَ تُؤْخَذُ منْ كُلّ أَحَدٍ، وَجَائزٌ أَنْ يَكُونَ نَبيًّا، وَجَائزٌ أَنْ يَكُونَ عَالمًا أَيْ أُوتيَ الْحكْمَةَ، وَهيَ الْعَمَلُ بالْعلْم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَانَ الْحكْمَةَ} اختلف في نبوته على قولين:
أحدهما: أنه نبي، قاله عكرمة والشعبي.
الثاني: أنه حكيم وليس بنبي، قاله مجاهد وقتادة وسعيد بن المسيب. ووهب بن منبه، قال إسماعيل: كان لقمان من سودان مصر ذا مشافر أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة. وقال قتادة: خير الله لقمان بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة على النبوة فأتاه جبريل وهو نائم فذر عليه الحكمة فأصبح ينطق بها، فقيل له: كيف اخترت الحكمة على النبوة وقد خيرك ربك؟ فقال: إنه لو أرسل إليّ بالنبوة عزمة لرجوت فيه العون منه ولكنت أرجو أن أقوم بها، ولكنه خيرني فخفت أن أضعف عن النبوة فكانت الحكمة أحب إليّ.
واختلف في جنسه على قولين:
أحدهما: أنه كان من النوبة قصيرًا أفطس، قاله جابر بن عبد الله.
الثاني: كان عبدًا حبشيًا، قاله ابن عباس.
واختلف في صنعته على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه كان خياطًا بمصر، قاله سعيد بن المسيب.
الثاني: أنه كان راعيًا فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك فقال: ألست عبد بني فلان الذي كنت ترعى بالأمس؟ قال بلى، قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: قَدَرُ الله وأدائي الأمانة، وصدق الحديث وتركي ما لا يعنيني، قاله عبد الرحمن بن زيد بن جابر.
الثالث: أنه كان نجارًا فقال له سيده: اذبح لي شاة وأتني بأطيبها مضغتين فأتاه باللسان والقلب فقال له: ما كان فيها شيء أطيب من هذين فسكت، ثم أمره فذبح له شاة ثم قال: أَلق أخبثها مضغتين فألقى اللسان والقلب فقال له: أمرتك أن تأتيني بأطيب مضغتين فأتيتني باللسان والقلب وأمرتك أن تلقي أخبثها مضغتين فألقيت باللسان والقلب فقال إنه ليس شيىء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا، قاله خالد الربعي.
واختلف في زمانه على قولين:
أحدهما: أنه كان فيما بين عيسى ومحمد عليهما السلام.
الثاني: أنه ولد كوش بن سام بن نوح، ولد لعشر سنين من ملك داود عليه السلام وبقي إلى زمن يونس عليه السلام.
وفي {الْحكْمَةَ} التي أوتيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها الفهم والعقل، قاله السدي.
الثاني: الفقه والعقل والإصابة في القول، قاله مجاهد.
الثالث: الأمانة.
{أَن اشكُرْ للَّه} يعني نعم اللَّه، فيه وجهان:
أحدهما: معنى الكلام: ولقد آتيناه الحكمة وآتيناه الشكر لله، قاله المفضل.
الثاني: آتيناه الحكمة لأن يشكر لله، قاله الزجاج.
وفي شكره أربعة أوجه:
أحدها: هو حمده على نعمه.
الثاني: هو ألا يعصيه على نعمه.
الثالث: هو ألا يرى معه شريكًا في نعمه عليه.
الرابع: هو طاعته فيما أمره.
{وَمَن يَشْكُرْ فَإنَّمَا يَشْكُرُ لنَفْسه} أي يعود شكره إلى نفسه لأنه على النعمة إذا زاد من الشكر.
{وَمَن كَفَرَ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني كفر بالله واليوم الآخر، قاله مجاهد.
الثاني: كُفْرُ النعمة، قاله يحيى بن سلام.
{فَإنَّ اللَّهَ غَنيٌّ حَميدٌ} فيه وجهان:
أحدهما: غني عن خلقه حميد في فعله، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: غني عن شكره مستحمد إلى خلقه، قاله ابن عيسى.
قوله تعالى: {وَإذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنه} أي واذكر يا محمد مقالة لقمان لابنه، وفي اسم ابنه ثلاثة أقاويل:
أحدها: مشكم، قاله الكلبي.
الثاني: أنعم، حكاه النقاش.
الثالث: بابان.
{وَهُوَ يَعظُهُ} أي يُذكرُهُ ويؤدبه.
{يَا بُنَيَّ لاَ تُشْركَ باللَّه إنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيمٌ} يعني عند اللَّه، وسماه ظلمًا لأنه قد ظلم به نفسه، وقيل إنه قال ذلك لابنه وكان مشركًا، وقوله: {يَا بُنَيَّ} ليس هو حقيقة التصغير وإن كان على لفظه وإنما هوعلى وجه الترقيق كما يقال للرجل يا أُخَيّ. وللصبي هو كُوَيّس.
قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإنسَانَ بوَالدَيْه} يعني برًا وتحننًا عليهما. وفيهما قولان:
أحدهما: أنها عامة وإن جاءت بلفظ خاص والمراد به جميع الناس، قاله ابن كامل.
الثاني: خاص في سعد بن أبي وقاص وُصي بأبويه؛ واسم أبيه مالك واسم أمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية، حكاه النقاش.
{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: معناه شدة على شدة، قاله ابن عباس.
الثاني: جهدًا على جهد. قاله قتادة.
الثالث: ضعفًا على ضعف، قاله الحسن وعطاء. ومن قول قعنب ابن أم صاحب:
هل للعواذل من ناهٍ فيزجرها ** إن العواذل فيها الأيْنُ والوهن

يعني الضعف.
ثم فيه على هذا التأويل ثلاثة أوجه:
أحدها: ضعف الولد على ضعف الوالدة، قاله مجاهد.
الثاني: ضعف نطفة الأب على نطفة الأم، قاله ابن بحر.
الثالث: ضعف الولد حالًا بعد حال فضعفه نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظمًا سويًا ثم مولودًا ثم رضيعًا ثم فطيمًا، قاله أبو كامل.
ويحتمل رابعًا: ضعف الجسم على ضعف العزم.
{وَفصَالُهُ في عَامَيْن} يعني بالفصال الفطام من رضاع اللبن.
واختلف في حكم الرضاع بعد الحولين هل يكون في التحريم كحكمه في الحولين على أربعة أقاويل:
أحدهما: أنه لا يحرم بعد الحولين ولو بطرفة عين لتقدير الله له بالحولين ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لاَ رَضَاعةَ بَعْدَ الحَولَين» وهذا قول الشافعي.
الثاني: أنه يحرم بعد الحولين بأيام، وهذا قول مالك.
الثالث: يحرم بعد الحولين بستة أشهر استكمالًا لثلاثين شهرًا لقوله: {وَحَمْلُهُ وَفصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] قاله أبو حنيفة.
الرابع: أن تحريمه غير مقدر وأنه يحرم في الكبير كتحريمه في الصغير، وهذا قول بعض أهل المدينة.
{أَن اشْكُرْ لي وَلوَالدَيْكَ} أي اشكر لي النعمة ولوالديك التربية. وشكر الله بالحمد والطاعة وشكر الوالدين بالبر والصلة، قال قتادة: إن الله فرق بين حقه وحق الوالدين وقال اشكر لي ولوالديك.
{إلَيَّ الْمَصيرُ} يعني إلى اللَّه المرجع فيجازي المحسن بالجنة والمسيء بالنار، وقد روى عطاء عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رضَا الرَّبّ من رضَا الوَالَد وَسَخَط الرَّبّ مَن سَخَط الوَالد».
قوله تعالى: {وَإن جَاهَدَاكَ} يعني أراداك.
{عَلَى أَن تُشْركَ بي مَا لَيْسَ لَكَ به علْمٌ} معناه أنك لا تعلم أن لي شريكًا. {فَلا تُطعْهُمَا} يعني في الشرك.
{وَصَاحبْهُمَا في الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} أي احْتسَابًا. قال قتادة: تعودهما إذا مرضا وتشيعهما إذا ماتا، وتواسيهما مما أعطاك الله تعالى.
{وَاتَّبعْ سَبيلَ مَنْ أَنَابَ إلَيَّ} قال يحيى بن سلام: من أقبل بقلبه مخلصًا وهو النبي صلى الله عليه السلام والمؤمنون. روى مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: حلفت أم سعد ألا تأكل ولا تشرب حتى تشرب حتى يتحوّل سعد عن دينه فأبى عليها فلم تزل كذلك حتى غشى عليها ثم دعت الله عليه فأنزل الله فيه هذه الآية. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحكْمَةَ أَن اشْكُرْ للَّه}.
{لقمان} رجل حكيم بحكمة الله تعالى وهي الصواب في المعتقدات والفقه في الدين والعقل، واختلف هل هو نبي مع ذلك أو رجل صالح فقط، فقال بنبوءته عكرمة والشعبي، وقال بصلاحه فقط مجاهد وغيره، وقال ابن عباس: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول «لم يكن لقمان نبيًا ولكن كان عبدًا كثير التفكر حسن اليقين أحب الله فأحبه فمن عليه بالحكمة وخيره في أن يجعله خليفة يحكم بالحق، فقال يا رب إن خيرتني قبلت العافية وتركت البلاء وإن عزمت علي فسمعًا وطاعة فإنك ستعصمني وكان قاضيًا في بني إسرائيل نوبيًا أسود مشقق الرجلين ذا مشافر» قاله سعيد بن المسيب ومجاهد وابن عباس، وقال له رجل كان قد رعى معه الغنم ما بلغ بك يا لقمان ما أرى؟ قال: صدق الحديث والصمت عما لا يعني، وقال ابن المسيب: كان سودان مصر من النوبة، وقال خالد بن الربيع: كان نجارًا، وقيل كان خياطًا، وقيل كان راعيًا، وحكم لقمان كثيرة مأثورة، قيل له وأي الناس شر؟ قال الذي لا يبالي إن رآه الناس مسيئًا.
وقوله تعالى: {أن اشكر} يجوز أن تكون {أن} في موضع نصب على إسقاط حرف الجر أي بأن اشكر لله، ويجوز أن تكون مفسرة أي كانت حكمته دائرة على الشكر لله ومعانيه وجميع العبادات والمعتقدات داخلة في شكر الله تعالى، ثم أخبر تعالى أن الشاكر حظه عائد عليه وهو المنتفع بذلك. و{الله} تعالى: {غني} عن الشكر فلا ينفعه شكر العباد {حميد} في نفسه فلا يضره كفر الكافرين و{حميد} بمعنى محمود أي هو مستحق ذلك بذاته وصفاته، وقوله: {وإذ قال} يحتمل أن يكون التقدير واذكر إذ قال، ويحتمل أن يكون التقدير وآتيناه الحكمة إذ قال واختصر ذلك لدلالة المتقدم عليه واسم ابنه ثاران، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم {يا بنيّ} بالشد والكسر في الياء في الثلاثة على إدغام إحدى الياءين في الأخرى، وقرأ حفص والمفضل عن عاصم {يا بنيَّ} بالشد والفتح في الثلاثة على قولك يا بنيا ويا غلاما، وقرأ ابن أبي برة عن ابن كثير {يا بنيْ} بسكون الياء، و{يا بني إنها} [لقمان: 16] بالكسر، و{يا بنيَّ أقم الصلاة} [لقمان: 17] بفتح الياء، وروى عنه قنبل بالسكون في الأولى والثالثة وبكسر الوسطى وظاهر قوله: {إن الشرك لظلم عظيم} أنه من كلام لقمان، ويحتمل أن يكون خبرًا من الله تعالى منقطعًا من كلام لقمان متصلًا به في تأكيد المعنى، ويؤيد هذا الحديث المأثور أنه لما نزلت {ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} [الأنعام: 82] أشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لم يظلم، فأنزل الله تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} فسكن إشفاقهم.